حيثيات تاريخية للإدارية العليا

حيثيات تاريخية للإدارية العليا
حكم حديث يلغى قرار مجلس تأديب وزارة العدل
أصدرت الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا حكماً لصالح فريق مكتبنا (دفاع) بإلغاء قرار مجلس التأديب وزارة العدل بحق أحد الخبراء بالوزارة فيما تضمنه من مجازاة الطاعنين بالعزل من الوظيفة، وبإعادة الأوراق إلى مجلس التأديب بهيئة مغايرة لإعادة محاكمة الطاعنين عما هو منسوب إليهم.
وتعود وقائع الأحداث إلى أن الوزارة قد أحالت موكلنا مع آخرين إلى مجلس التأديب، والذى أصدر قراراً بمجازاتهم بالعزل من الوظيفة على سند من القول بخروجهم عن مقتضى الواجب الوظيفى وأتوا ما من شأنه المساس بكرامة الوظيفة وحسن سمعتها بأن انضم لجماعة ارهابية لسابقة القبض عليه واتهامه بأن قام بالنشر على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك” أخبار وبيانات كاذبة، وأساء استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعى، وانضم لجماعة ارهابية.
فأقمنا طعناً على قرار مجلس تأديب وزارة العدل أمام المحكمة الإدارية العليا، واستندنا فيه إلى محالفته للقانون وقصوره فى التسبيب وإخلاله بحقوق الدفاع استناداً إلى:
– مخالفة قرار مجلس التأديب للقانون حيث جمع بين تسع موظفين بالوزارة يعملون فى محافظات مختلفة ومنسوب لكل منهم فعل مختلف عن الآخرين، ولا توجد بينهم أى رابطة شكلية أو موضوعية تسمح بمحاكمتهم فى قضية واحد وإصدار قرار تأديبى لهم جميعاً.
– مخالفة قرار مجلس التأديب للفرضية الدستورية بأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، حيث بادر مجلس التأديب إلى إصدار قرار بعزله من الوظيفة قبل أن تنهى النيابة تحقيقاتها أو تصدر قرار بالتصرف فى التحقيقات سواء بحفظها أو إحالته للمحاكمة.
-أن إدارة تكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية أعدت تقرير فنى فى التحقيقات الجنائية عن الصفحة المنسوبة للخبير، وجاء به أن اسم الصفحة يتشابه مع مئات الأسماء ومن الصعوبة الجزم بأنه هو صاحب هذه الصفحة وخاصة أنه تعذر على إدارة تكنولوجيا المعلومات الوصول للرقم التعريفى للصفحة.
-أن النيابة المختصة التى كانت تتولى التحقيق مع الخبير أحالت التحقيقات لنيابة أمن الدولة والتى أوصت بحفظ التحقيقات، ومن ثم أصدرت النيابة المختصة قراراً بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده.
وقدمنا كافة هذه المستندات إلى المحكمة الإدارية العليا للتدليل على قصور التسبيب والإخلال بحقوق الدفاع. وبالفعل قضت المحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرار مجلس التأديب وأرست المحكمة عدداً من المبادىء التاريخية والجوهرية فى حكمها:
عن أهمية تسبيب الأحكام ذكرت المحكمة:
“وحيث إنه من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن تسبيب الأحكام يعد أصلاً من الأصول الثابتة للمحاكمات التي تحرص عليها كافة التشريعات الإجرائية، فيجب أن تصدر الأحكام بركيزة من أسباب واضحة جلية تنم عن تحصيل المحكمة لواقعات الدعوى وبيان الأدلة الواقعية والقانونية على ثبوتها وكيفية هذا الثبوت على نحو كاف لتكوين عقيدتها وتشكيل وجداتها كي تكون الحقيقة التي استخلصتها واقتنعت بها قد قام دليلها بسند من الواقع والقانون بما من شأنه أن يثمر النتيجة التي انتهى إليها قضاؤها، ووجوب اشتمال الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها ليس اتماماً لها من حيث الشكل وإنما لحمل المحكمة على العناية بأحكامها وتوخي العدالة في قضائها فتأتي ناطقة بموافقتها للقانون، فتحمل من ثم الخصوم على الاقتناع بعدالة الأحكام والانصياع لقضائها وتنزل في نفوسهم منزلة الإجلال والإكبار، ومن زاوية أخرى تمكن محكمة الطعن من بسط رقابتها عليها، بما يكفل تحقيق سلامة النظام القضائي وضماناً لأداء المحاكم التأديبية لرسالتها في تحقيق العدالة التأديبية، ولضمان حسن سير المرافق العامة والاحترام الكامل للحقوق العامة للعاملين المقدمين لتلك المحاكم وعلى رأسها حق الدفاع عن براءتهم مما نسب إليهم، وغني عن البيان أن رقابة محكمة الطعن لا تقوم ولا تستوي إلا إذا جاءت الأحكام مسببة تسبيباً جلياً بألا يكتنفها غموض، وواضحة بألا يخالطها لبس، وكافية بألا يشوبها نقص أو يعتريها قصور.
وحيث إنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة أيضاً أنه لا يكفى لاعتبار حكم المحكمة التأديبية أو قرار مجلس التأديب مسبباً ترديد نصوص القانون أو سرد وقائع دون تحديد واضح وقاطع لما اعتمدته (المحكمة أو مجلس التأديب) وأقرته من وقائع ونصوص القانون الذي بنت عليه المنطوق، إذ يكون الحكم أو قرار مجلس التأديب مشوباً بالقصور الشديد في التسبيب الذي ينحدر به إلى درجة البطلان إذا أهدر الدفوع أو الدفع الموضوعي الجوهري الذي يتغير بمقتضاه الحكم في الدعوى أو الدفاع القانوني الذي يتعلق بالنظام العام للتقاضي، لما في هذا الإهدار من تجهيل للأسانيد الواقعية للحكم أو قرار مجلس التأديب وإهدار حق الدفاع الذي يكفله الدستور.”
وعن المقومات الموضوعية للحتقيق اإدارى والجنائى وعلاقته بحقوق الدفاع أكدت المحكمة على:
“وحيث إنه من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة كذلك أن التحقيق الإداري شأنه شأن التحقيق الجنائي لا يكون مستكملاً لمقوماته الموضوعية بغير توافر مبدأين أساسيين أولهما هو مبدأ المواجهة بالاتهام وتحديده في المكان والزمان، وثانيهما هو تحقيق دفاع المتهم على نحو يوضح بجلاء مدى مسئوليته عن المخالفة وبغير هذين المبدأين أو أحدهما يغدو التحقيق باطلاً لا يمكن أن يرتب أثراً في توقيع الجزاء على المتهم، وأن مبدأ تحقيق الدفاع هو مبدأ جوهري لإمكان نسبة المخالفة بوضوح إلى المتهم، وهو ينضم بصورة أو بأخرى مع مبدأ كفالة حق الدفاع للمتهم، فكفالة حق الدفاع تعني إتاحة الفرصة للمتهم للاستعانة بكافة الوسائل لإثبات براءته.”
وعن أدلة الاتهام وعلاقته بمبدأ فرضية البراءة ذهبت المحكمة إلى:
“وحيث إنه بالبناء على ما تقدم وهدياً به، فإنه بمطالعة أسباب القرار المطعون فيه …وإذ أجدبت الأوراق وشحدت الدلائل مما يفيد صدور حكم جنائي بإدانة الطاعنين عن الجريمة النكراء المنسوبة إليهم أو صدور قرار من النيابة العامة أو المحكمة الجنائية المختصة بإدارج أسمائهم على قوائم الكيانات الإرهابية، ولما كان الأصل في الإنسان البراءة تلك قاعدة أصولية لا معدي عنها، وإذ اكتفى الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعنين عن المخالفة المنسوبة إليهم بقرار الإحالة إلى مجرد إجراء النيابة العامة تحقيقات جنائية معهم بشأن الجريمة المنسوبة إليهم، وهي الانضمام إلى جماعة إرهابية مرتكناً في إدانتهم عنها إلى عبارات عامة مطلقة على عواهنها لا يحفل بها القانون، إذ أن التسبيب القانوني يتعين أن يقوم على تحديد الأسانيد والحجج التي انبنى عليها الحكم أو قرار مجلس التأديب المطعون فيه والمنتجة له سواء من حيث الواقع أو القانون لكي يحقق التسبيب الغرض منه، خاصة وأنه يتعين التفرقة بين التسبيب كالتزام يجد مصدره في النص القانوني سواء بالنسبة للحكم القضائي أو قرار مجلس التأديب، وبين ما يمكن أن يطلق عليه “التسبيب النفسى” ذا العلاقة الوثيقة بتجرد ونزاهة القاضى الشخصى والذي يمكن أن نقف عليه في الحكم أو قرار مجلس التأديب من خلال تلمس مجموعة العوامل الشعورية أو اللاشعورية التي تؤثر في سلوك القاضي أو مجلس التأديب وتدفعه إلى الاقتناع وهى ما تسمي الدوافع والأسباب الأمر الذي يغدو جلياً معه صدور قرار مجلس التأديب المطعون فيه مشوباً بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ويكون من المتعين معه القضاء بإلغائه وبإعادة الأوراق إلى مجلس تأديب خبراء وزارة العدل لإعادة محاكمة الطاعنين عما هو منسوب إليهم بهيئة مغايرة على وجه يتفق وحكم القانون.”.